قد يكون الحمل والقدرة على الحفاظ عليه لنهايته بالنسبة إلى بعض الأزواج أمراً يسيراً، لكن بالنسبة إلى آخرين، الأمر بمثابة حلم صعب المنال؛ إذ تتعرض بعض النساء للإجهاض المتكرر، حيث يفقدن حملهن بشكل متتالٍ في أثناء الثلث الأول من فترة الحمل.
هذا الوضع يدفع بعضهن إلى الشعور بالعار أو حتى بالذنب. ولكن، أشار فريق دولي من الباحثين إلى أن بعض حالات فقدان الحمل، أو الإجهاض التلقائي، قد تكون نتيجة أسباب جينية.
التفسير العلمي للإجهاض المبكر
فقد توصل الباحثون إلى أن نصف حالات الإجهاض مرتبطة بأسباب محددة، مثل الالتهابات، والتوازن الهرموني، أو نتيجة مشاكل في جهاز المناعة، وذلك حسب ما نشر في موقع Medical Daily.
وبالنسبة للنصف الآخر من الحالات، لم يتمكن الخبراء من تفسير ذلك، غير أن دراسة جديدة نشرتها مجلة Royal Society Journal Biology، أشارت إلى أن سبب ذلك قد يعود إلى حدوث طفرات وراثية، وتحديداً في الجين FOXD1.
وكان مما ذكره فريق البحث في التقرير: “وجدنا أن النساء اللاتي يحدث لهن طفرات في الجين FOXA1 معرضات لمخاطر عالية للإصابة بـRSA (الإجهاض التلقائي المتكرر)”.
وتُعرف “RSA” بحالة وقوع حالتين أو أكثر من حالات فقدان الحمل في الأسابيع الـ13 الأولى من الحمل، وهي حالة تؤثر على 1-2٪ من النساء، أو واحدة من بين كل 100 حالة حمل.
وعلمياً، ينتمي هذا الجين إلى عائلة فوركهيد لعوامل النسخ، التي تقوم بدور مهم في تنظيم التعبير الجيني أثناء نمو الخلايا وانتشارها، وتمايزها، وطول عمرها، والتي تتميز بنطاق فوركهيد خاص بها.
إذ تشارك هذه الجينات في عملية نمو الكُلى من خلال تحفيز تمايز سلف الكليون (وحدة كلوية)، وتتمايز خلايا سلف الكليون لتُشَكِّل كليونات خلال نمو الكلى الجنينية، كما تقوم جينات FOXD1 بعملها في مجال نمو شبكية العين، والتصالب البصري، ويمكنها أيضاً تنظيم التفاعلات الالتهابية ومنع المناعة الذاتية.
وقد تم تحديد عملية تحول هذا الجين بدقة لأول مرة لدى فئران التجارب، ثم قام الباحثون بعمل دراسة شملت أكثر من 550 امرأة من النساء الحوامل المُعرضات للإجهاض التلقائي المتكرر، حيث كان البحث يدور حول ما إذا كان لدى هؤلاء النساء طفرات في الجين نفسه، كما شملت عملية التحليل المقارن مجموعة مرجعية من 271 امرأة غير مصابة بـ”RSA”.
وخلصت النتائج إلى أن أغلبية النساء المُعرّضات للإجهاض التلقائي المتكرر، يمتلكن بالفعل الطفرة الجينية FOXD1. وفي المقابل، بسبب نتائج المجموعة المرجعية، يعتقد الباحثون أن هذا الجين قد يكون له تأثير وقائي عندما يكون في حالته الطبيعية.
وقال الباحثون: “أظهرت نتائجنا أيضاً أن جين FOXJ1 ربما يشكل عاملاً جزيئياً جديداً، يؤثر في صيانة الحمل، ويشمل طفرات مرتبطة بمستقبِلة الاستروجين لدى الفئران، والإجهاض التلقائي المتكرر عند البشر”.
ومن شأن هذا الاكتشاف أن يساعد الأطباء على تقديم تشخيص أكثر فاعلية لحالات الإجهاض المحتملة، وابتكار علاجات جديدة للنساء المعنيات بهذه الطفرة.
وتجدر الإشارة إلى أن جين FOXD1 ليس الجين الأول المرتبط بفقدان الحمل (الإجهاض التلقائي) المبكر، ويعتبر الجين MTHFR نوعاً من أنواع الإنزيمات التي تشارك في عملية استقلاب الأحماض الأمينية في الجسم، ويمكن للطفرات الشائعة في هذا الجين أن تؤثر على عملية فرز الهوموسيستين (أحد الأحماض الأمينية الموجودة في الدم) داخل جسم الإنسان، والذي من شأنه التأثير على الحمل.
فالنساء المصابات بطفرات في الجين MTHFR، أكثر عُرضة لارتفاع مستواهُن من الهوموسيستين، وفي هذه الحالة يعد أحد عوامل الخطر المُعَرِّضَة للإجهاض، كما يمكن لهذه الطفرات أن تتسبب في انخفاض القدرة على استقلاب حمض الفوليك وغيره من فيتامينات (ب).
وفي المجال نفسه، أجريت دراسة عام 2001 في النمسا، أثبتت العلاقة بين حالات الإجهاض الغامضة، والتبديل الجيني المحدد المعروف باسم NOS3.
وقالت الدراسة إن النساء اللاتي يحملن هذا الجين مرشحات لإفراز كميات أقل من أكسيد النتريك، أما عن حمض النيتريك الموجود داخل الرحم، فإنه يتسبب في توسعة الأوعية الدموية، ومن ثم تحسين تدفق الدم باتجاه الرحم والجنين المتنامي، وإفراز كميات أقل تسبب خللاً قد يؤدي إلى الإجهاض.
إذاً، هل يمكن القول إن الإجهاض التلقائي وراثي؟ قد يكون كذلك.
ورغم أن اكتشاف الرابط بين مختلف الطفرات الجينية والإجهاض المتكرر قد يسبب حالة إحباط لدى بعض النساء اللاتي يحملن هذه الجينات، فإن التمسك بالتفاؤل وعدم الاستسلام، قد ساعدا في كثير من الأحيان على الحفاظ على حملٍ ناجح.