- كشف باحثون في أكبر دراسة هي الأولى من نوعها، أن الحمض النووي يضم جينات تؤثر في تحديد سن الإنسان عند إنجابه لمولوده الأول وفي تحديد عدد الأطفال الذين سيرزق بهم في حياته، فاتحة بذلك آفاقا جديدة في مجال دراسة الخصوبة وعلاج مشكلاتها لدى الإنسان.
واشنطن – التركيز على الوظيفة وعدم العثور على شريك الحياة المناسب، وتقدم الطب، عوامل حولت تأجيل سن الإنجاب إلى ظاهرة عالمية، حيث تشهد العديد من دول العالم ظاهرة تقدم سن الآباء والأمهات في السن، ما يؤثر بدوره على عدد أطفالهم وعلى صحتهم الإنجابية.
وأظهرت دراسة علمية نشرت في مجلة “ناتير جينتيكس” الأميركية أن الحمض النووي للإنسان “دي أن أي” يضم 12 منطقة تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تحديد العمر الذي يرزق فيه الإنسان بأول مولود وعدد الأطفال الذين سينجبهم.
تعتبر هذه النتائج سابقة عالمية؛ إذ كان العلماء يعتبرون أن السلوك الإنجابي لدى الإنسان مرتبط فقط باختيارات شخصية وبمؤثرات اجتماعية وبالبيئة المحيطة به.
أشرفت على إنجاز الدراسة جامعة أوكسفورد البريطانية وشارك فيها أكثر من 250 باحثا من علماء الأحياء والوراثة (الجينات) والاجتماع من مختلف دول العالم. ومن جانبه أوضح الباحث التونسي حمدي مبارك من جامعة “في.يو” بأمستردام والذي ساهم في الدارسة، قائلا “حتى الآن، وفي العقود الأخيرة كان تفسير التأخر في الإنجاب والحصول على عدد أقل من الأطفال مرتبطا بعوامل بيئية واجتماعية وثقافية كخصائص الأبوين ووضعهما الاجتماعي. ولم يتم الاهتمام إلا نادرا بالجذور الجينية والبيولوجية لهذا السلوك”.
وأثبتت دراسات حديثة أن التأخر في الإنجاب في الدول الصناعية، زاد ما بين 4 و6 سنوات منذ سبعينات القرن الماضي. كما انتقل متوسط السن الذي تنجب فيه النساء طفلهن الأول في هذه الدول من 24 سنة إلى 29 عاما. ونبه العلماء إلى أن القدرة الإنجابية للنساء تتراجع تدريجيا ابتداء من سن الخامسة والعشرين، فقرابة نصف النساء يصبحن عاقرات عند بلوغهن سن الـ40.
وأضافوا أن التأخر في الإنجاب يؤدي إلى ارتفاع في مشكلات الخصوبة لدى الرجال والنساء على حد السواء، فما بين 10 و15 بالمئة من الأزواج يعانون من العقم في الدول الغربية، ويُقدر عددهم في العالم بـ48 مليون زوج عقيم تقريبا. وفي أغلب الأحيان لا تعرف أسباب مشكلات الخصوبة، خاصة عند الرجال.
طرحت الدراسة الجديدة إشكالية وجود علاقة بين تأخر سن الإنجاب وضعف عدد الأولاد بموروثنا الجيني، انطلاقا من 62 بحثا أجري في السنوات الأخيرة في مناطق متفرّقة في العالم، وتم جمع معطيات أكثر من نصف مليون شخص بينهم 238 ألف رجل وامرأة بالنسبة إلى السن لدى المولود الأول و330 ألف رجل وامرأة بالنسبة إلى عدد الأولاد، ما يجعلها أكبر دراسة على الإطلاق حول العلاقة بين الموروث الجيني والتناسل عند الإنسان.
بعد تحليل الحمض النووي والتركيز على المُعطييْن المراد بحثهما تم تحديد 12 منطقة في الحمض النووي (أو ما يسمى في علم الوراثة بالموقع الكروموسومي «Locus») تتضمّن اختلافات بين الأشخاص. ودفعت النتائج الباحثين إلى التأكد من أن هذه المناطق تضم جينات تؤثر في تحديد العمر عند إنجاب المولود الأول وعدد الأطفال في حياة الرجال والنساء.
وأضاف الدكتور حمدي مبارك لفرانس 24 “تحديد هذه الجينات التي تؤثر على سلوكنا الإنجابي يساعدنا على فهم البناء الجيني والبيولوجي المعقد للتناسل عند الإنسان بشكل أفضل”.
وقال مبارك “نتوقع أن يدفع عملنا هذا نحو تحديد أبحاث وتجارب جديدة يتوجب القيام بها وإعطاؤها الأولوية في المستقبل القريب”.
كما أشار إلى أن البحث الأخير، وبإشراكه عددا كبيرا من العلماء، يبني جسورا بين تخصصات مختلفة، كعلم الاجتماع والديموغرافيا والطب والوراثة وغيرها، قد تساعد على فهم جديد للتوازنات التي تدخل في تحديد السلوك الإنجابي لدى الإنسان وإيجاد حلول جديدة لمشكلات الخصوبة.
أما في ما يتعلق بالسن الأقصى للإنجاب عند المرأة فقد أفادت الدراسة بأن التغيرات الجينية المؤثرة على سن الإنسان عند إنجاب المولود الأول مرتبطة بخصائص أخرى على غرار النضج الجنسي وعمر الفتاة عند حيضها الأول ثم عند انقطاعه، وسن الصبي عند تحول صوته لدى البلوغ.
وفي تعليق على نتائج الدراسة قالت عالمة الاجتماع في جامعة أوكسفورد ميليندا ميلز التي أشرفت على الدراسة في بيان “لقد لاحظنا أن النساء المُعرضات وراثيا للإنجاب في عمر متأخر لديهن أيضا أجزاء من الحمض النووي تجعلهن مُعرضات كذلك لفترات حيض متأخرة وانقطاع طمث متأخر، ويمكننا في المستقبل جمع معطيات عبر التحليل الجيني قد تمكن الأطباء من الإجابة عن هذا السؤال: إلى أي حد يمكننا الانتظار حتى نرزق بطفل؟”.
ولاحظ الباحثون أن المناطق الجينية المُكتشفة، ومن بينها 10 تم التعرف عليها لأول مرة، لها علاقة بمسار التخصيب عند الإنسان، فهي تؤثر في نمو خلاياه الجنسية عبر هرمونات كالإستروجين والهرمون المنبه للجريب، وقد تساهم في أمراض كالانتباذ البطاني الرحمي عند النساء.
ومن جهة أخرى شدد المشرفون على الدراسة على أن العوامل الوراثية والجينية لا تؤثر إلا بشكل بسيط في تحديد سن الإنسان لدى إنجابه مولوده الأول وعدد الأطفال الذين سينجبهم، حيث تبقى العوامل البيئية والاجتماعية والاختيارات الشخصية الأكثر تأثيرا في اختيار توقيت الإنجاب وعدد أطفال العائلة.
المصدر : العرب